اشترك في نشرتنا الإخبارية
مديرة البحوث

تقييم وضع المؤسسات الفكرية في المملكة العربية السعودية أمراً يسيراً، حيث أن عدد المؤسسات الفكرية في المملكة محدوداً للغاية. وبشكل عام، هناك دولتين فقط في منطقة الشرق الأوسط – وهما ليبيا وعمان – يتأخران عن المملكة العربية السعودية في قائمة عدد المؤسسات الفكرية المحلية، وفقاً لتقييم المؤسسات الفكرية الذي أجري عام 2016. وعلى النقيض، يمكننا أن نجد أكثر من 35 مؤسسة فكرية محلية في جمهورية مصر العربية، بينما تأتي الولايات المتحدة الأمريكية بالطبع على رأس القائمة بعدد يصل إلى 1835 مؤسسة فكرية.

ومن المعلوم أن المؤسسات الفكرية حول العالم تقوم بدور محوري وفعّال، كجسر رابط ما بين المناهج الأكاديمية ودوائر صنّاع القرار، خاصة مع تطور وزيادة تعقيد المناهج الأكاديمية. ويرى البعض أن المؤسسات الفكرية تقود بدور المترجم، حيث تقوم بتحويل المشاكل السياسية إلى أسئلة بحثية أولاً، ثم تقوم بعدها بتحويل الاكتشافات البحثية إلى حلول سياسية.
ودور المؤسسات الفكرية أصبح واضحاً وجلياً وضرورياً لتحقيق تقدّم اقتصادي في البلاد. حيث أن صنّاع القرار في البلاد عادة ما لا يملكون كوادر بحثية كافية في مؤسساتهم، أو لا يملكون ما يكفي من الوقت لبحث المشكلات بحثاً متأنياً. وهنا، يأتي دور المؤسسات الفكرية. حيث تقوم هذه المؤسسات بإجراء بحوث تفصيلية وعميقة، وتقدّم بيانات قوية ومتّسقة، جنباً إلى جنب مع نصائح عملية تساعد صانعي القرار في القطاع العام.

لا يقتصر دور المؤسسات الفكرية على ما سبق ذكره فحسب، بل تلعب المؤسسات الفكرية دوراً هاماً كمنارات فكرية، حيث تستثمر وقتها ومواردها كي تختبر الأفكار الجديدة المبتكرة والحلول السياسية المطروحة، وبالتالي لا يتم اكتشاف الحلول فحسب، بل يتم أيضاً اكتشاف تأثيرها، وبالتالي تتضح الصورة كاملة أمام صنّاع القرار. من أشهر الأمثلة على التأثير القوي الذي يمكن أن تخلقه المؤسسات الفكرية، التأثير الذي حققته مؤسسة Brookings (تم تصنيفها كواحدة من أفضل المؤسسات الفكرية حول العالم) في تطوير مشروع مارشال (مشروع إعادة أعمار أوربا بعد الحرب العالمية الثانية)، ومثال آخر هام هو تبنّي الحكومة الأمريكية لمشروع الائتمانات الضريبية للطفل بعد العرض الذي تقدّمت به مؤسسة Brookings.

وحالياً، تفتقر المملكة العربية السعودية للتأثير الإيجابي الذي يمكن أن تحدثه المؤسسات الفكرية على المستويات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. حيث يحتل الاستشاريين الدوليين الدور الذي يمكن أن تقوم به المؤسسات الفكرية. وفي الواقع هناك مجموعة من المشاكل التي تواجه المملكة عند استخدام خدمات الاستشاريين الدوليين، أهمها هي عدم اضطلاعهم بالشأن السعودي الداخلي، وعدم توافر الكوادر التي يمكن أن تتابع تنفيذ التوصيات التي يقدمونها للمملكة. أما على الجانب الآخر، فأن توافر المؤسسات الفكرية سوف يسمح للحكومة بإقامة علاقات طويلة المدى مع مؤسسات محلية، تعود استثماراتها بالنفع على الاقتصاد السعودي.

والآن، قد يتبادر لذهننا سؤالاً هاماً وهو “ما هي الحاجة لوجود مؤسسات فكرية سياسية تقوم بالتركيز على الإدارة المحلية فقط؟ ”
يعوزنا مبدئياً أن نتعرف على معنى هذه المصطلحات للإجابة على هذا السؤال. مصطلح ” الإدارة” يعني عملية تسيير وإدارة المجتمع. أما عملياً، فيستخدم مصطلح ” الإدارة” في الأوساط السياسية كمفهوم يصف تحول واضح من مفهوم الحكومة المركزية إلى مفهوم إدارة المجتمع بشكل عام. وعلى نقيض مفهوم الحكومة، فأن مفهوم الإدارة يشمل جميع العاملين في عملية التسيير الاجتماعي. وعلى الجانب العملي، فأن الحكومات حالياً لم تعد تدار بشكل هرمي صرف، أنما تدار عبر مجموعة من الشبكات التي تتعاون لإدارة شؤون المجتمع ككل. وبالنظر إلى الوضع السعودي حالياً، فسوف نجد أن اعتماد الحكومة على القطاع الخاص لتقديم خدمات عامة هو واحد من أهم المؤشرات على حدوث مثل هذا التغيير.

وفي الواقع، يُعد مفهوم “الإدارة” الآن أكثر شمولية وأهمية. حيث أنه لا يتناول كيفية تنظيم الحكومات لنفسها داخلياً فحسب، بل يشمل أيضاً كيفية تفاعل الحكومة مع القطاعات الحكومية والغير حكومية الأخرى. ولذا، فأن الهدف الرئيسي الذي يسعى مركز الملك سلمان للإدارة المحلية لتحقيقه هو التركيز على مفهوم “الإدارة” لتطوير الأدوات التي تستخدمها الحكومات لتنظيم نفسها والآخرين بها، حتى تتمكن من تطوير أدائها وتقديم خدمات أفضل للمواطنين.

ومن المعلوم أن حاجات المواطنين لا يمكن أن يتم تقديمها عبر الحكومات الوطنية وحدها. هذا لا ينفي بالطبع العلاقة اللصيقة ما بين الحكومة المحلية والمواطنين. حيث أن أداء الحكومة المحلية يؤثر بشكل كبير على المواطنين والمقيمين بشكل يومي مثلاً توافر المساحات الخضراء في المدن من عدمها، أو سهولة افتتاح مشاريع جديدة أو الحصول على تصاريح بناء، أو إمكانية التأثير في قرارات الحكومة المحلية عبر المؤسسات المتاحة مثل المجالس المحلية. إلا أنه للأسف لا يوجد أي مؤسسة في المملكة العربية السعودية تقوم بالتركيز على أهمية “الإدارة” كمفهوم شامل.

ولهذا فقد قام الأمير عبد العزيز بن عياف والذي كان رائداً في الإدارة المحلية خلال الفترة التي تولّى فيها منصب محافظ مدينة الرياض بتأسيس مركز الملك سلمان للإدارة المحلية، كمؤسسة فكرية تركّز جهودها في مجالات الأبحاث، وتقديم الاستشارات، وتنظيم الفاعليات، والتدريب على تطوير أداء الحكومة المحلية بهدف إقامة مناطق ومدن تدار بكفاءة وحنكة عاليتين، لتوفير جودة حياة عالية لقاطنيها.

المزيد من المنشورات بقلم ماري تسواينرت
الأعلى